شكّل الإعلان عن الاتفاق بين السعودية وإيران، برعاية صينية، على استئناف العلاقات الدبلوماسية، حلقة جديدة في سلسلة التغيّرات التي تشهدها الخريطة الإقليمية انطلاقاً من المتغيّرات في الخريطة الدولية الأوسع. صحيح أن ذلك القرار قد تأخّر لأسباب، لا يُستبعد من بينها تفضيل الأولى جني نتائج استثمارها في التظاهرات التي شهدتها الثانية على خلفية مقتل مهسا أميني، إلا أن إمضاءه في هذا التوقيت بالتحديد، له دلالات كثيرة، وخصوصاً بعدما تصاعد الحديث الإسرائيلي عن ضرورة تشكيل حلف مع دول خليجية لضرب إيران.وفي أعقاب جولات تفاوض عديدة، أُعلن أمس عن الاتفاق من العاصمة الصينية بكين، مع ما يحمله المكان من معانٍ، وخصوصاً في ظلّ التداعيات الكبيرة التي تركتها الحرب الروسية - الأوكرانية على العالم، وبدء تحرّك القوى الإقليمية نحو تشكيل تجمّعات وتكتلات تتّخذ مسافة واضحة من المشروع الأميركي ومتطلّباته الباهظة على اقتصادات الدول وأمنها الداخلي والإقليمي. والجدير ذكره، هنا، أن بكين تَجمعها علاقات جيّدة مع كلّ من الرياض وطهران، ترجمتْها في الآونة الأخيرة على شكل اتّفاقيات تعاون مع الطرفين.
وحملت كلمة كبير الدبلوماسيين الصينيين، وانغ يي، إثر الإعلان، الكثير من الرسائل بالخصوص؛ إذ قال إن «محادثات السعودية وإيران في بكين انتصار للسلام»، مؤكداً أن الصين ستُواصل القيام بدور بنّاء في التعامل بشكل ملائم مع الموضوعات الشائكة وفقاً لرغبات كلّ الدول، مشيراً إلى أن المحادثات قدّمت «أنباء جيّدة» للغاية للعالم المضطرب حالياً.
وكان الاتفاق محلّ ترحيب من دول عديدة في المنطقة، على رأسها العراق الذي قالت وزارة خارجيته: «نرحّب باتفاق السعودية وإيران لتبدأ بموجبه صفحة جديدة من العلاقات الدبلوماسية بين البلدين». بدورها، رحّبت سلطنة عُمان بالإعلان، وأملت وزارة خارجيتها أن «يساهم استئناف العلاقات بين السعودية وإيران في تعزيز ركائز الأمن والاستقرار بالمنطقة».
بكين: محادثات السعودية وإيران انتصار للسلام


وفي واشنطن، نقلت وكالة «رويترز» عن المتحدّث باسم الأمن القومي في البيت الأبيض قوله إن «واشنطن على علم بتقارير استئناف العلاقات الدبلوماسية بين إيران والسعودية»، وإن «خفض التصعيد والدبلوماسية جنباً إلى جنب مع الردع، من الركائز الأساسية للسياسة التي حدّدها الرئيس جو بايدن خلال زيارته الماضية للمنطقة». وأضاف المتحدّث إن «واشنطن ترحّب بأيّ جهود تساعد في إنهاء الحرب في اليمن وخفض التوتّر في الشرق الأوسط». ولعلّ هذه الإشارة الأميركية استندت إلى ما ورد في البيان الثلاثي الذي شدّد على «تفعيل اتفاقية التعاون الأمني الموقّعة بين السعودية وإيران عام 2001»، مع الحرص على بذل كل الجهود لتعزيز «السلم والأمن الإقليمي والدولي»، في ما يحيل مباشرة إلى اليمن.
ومن هذا الأخير، أكد الناطق الرسمي باسم «أنصار الله»، محمد عبد السلام، في تغريدة، أن «المنطقة بحاجة إلى عودة العلاقات الطبيعية بين دولها، حتى تستردّ الأمة الإسلامية أمنها المفقود نتيجة التدخلات الأجنبية وعلى رأسها الصهيوأميركية». وأضاف إن «التدخلات الأجنبية عملت على الاستثمار في الخلافات الإقليمية، واتخذت الفزاعة الإيرانية لإثارة النزاعات وللعدوان على اليمن». وفي لبنان، قال الأمين العام لـ«حزب الله»، السيد حسن نصر الله، إن «توقيع اتفاق استئناف العلاقات الدبلوماسية بين الرياض وطهران تحوّل جيد، ونحن سعداء لأن لدينا ثقة في أنه سيكون لمصلحة شعوب المنطقة»، معتبراً أن الاتفاق «إذا سار في المسار الطبيعي فسيفتح آفاقاً في كلّ المنطقة، ومن جملتها لبنان».
أمّا في إسرائيل، فقد أُدخل الإعلان في بازار الخلاف السياسي بين الحكومة والمعارضة. إذ هاجم رئيس الوزراء السابق، نفتالي بينيت، رئيس الوزراء الحالي، بنيامين نتنياهو، قائلاً «هذا (الاتفاق) فشل ذريع لحكومة نتنياهو وينبع من مزيج من الإهمال السياسي مع الضعف العام والصراع الداخلي في البلاد». وبحسب «يديعوت أحرنوت»، فإن بينيت رأى أن «تجديد العلاقات (بين السعودية وإيران) هو تطوّر خطير لإسرائيل وانتصار سياسي لإيران»، وأن «حكومة نتنياهو هي في فشل اقتصادي وسياسي وأمني مدوٍّ، وكل يوم من حُكمها يعرّض دولة إسرائيل للخطر»، داعياً إلى تشكيل «حكومة طوارئ وطنية واسعة».